همس الازاهبر

زائر

همس أزاهير شهرك

حينما أنتصف الليل ...ومع السكون وفي رحم العتمة أبصرت ضوءا خافتا ينبعث من جسم هزيل .. جسم ناقص !
ألا وهو القمر الذي أكلت منه الليالي الجائعة نصيبها لتعود مرة أخرى , أخفت يديها بين النجوم المبعثرة الشفافة , جعلته منحنيا فكأنما تُرغمه على الإنحناء لسلام على سلطان ما احتراما وتكريما
ألا يا هل ترى من هو ذلك الشخص !
رأت النجوم الساهرة حركة شفتي فعلمت بما أهمس به فقامت بترجمة فورية فرسمت من أشعتها الرفيعة الفضية اسمه فقرأته عيناي قبل شفتي ’’ رمضان ’’
نعم إنه رمضان إن كل حرف من اسمه يُحرك مشاعري الكائنة على حواف الوجدان تمد يديها لتنشب أظافرها في خيط أنسجة الرحمة والمغفرة من بارئها كيف لا ؟
ورمضان هو شهر التوبة والعتق من النار , يغفر الله لمن يشاء من عباده , شهر تُضاعف به الحسنات وتُمحى به السيئات والخطايا . شهر يُبدل به المرء ثيابه المذنبة التي ألبسته إياه الأيام الهاربة .
ما أجمل ليالي رمضان الهادئة , وخاصة ليلة استقباله وانتظار دخوله في كل بيت بل في كل قلب أوصدته الشهور العابرة بأوردته . ولا سيما قلبي الذي أحسّ بالظمأ وأراد أن يدخل في ينابيعه القرآن والإيمان بالله وإتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
أيها القرآن الكريم .. ياربيع القلوب القاحلة أنثر بذورك في صدري الواجف لتخصب أرضه بالطمأنينة والسكينة أما من ناحية إسقائه فسأرويه بقطرات دمعي المرتعشة خوفا من موجدها راجية منه الثواب والقبول .. تأكد دائما أنني بحول الله لن أتركك مادامت الحياة تدب بمقلتي .. فأنت الرفيق والصديق وتزيد رباط صداقتنا بهذا الشهر الخيّر . شهر رمضان المبارك .
ما أروع أن يمضي الإنسان نهاره صائم وليله قائم لله الغني الحميد . حيثُ يراقب نفسه كي لا يقع بمعصية هو بغنى عنها .
وهذه المآذن العامرة تُعلن آذان المغرب موعد الإفطار فتتقدم الأنامل مبتسمة شاكرة وتتناول تمرات صغيرة وتقول نيابه عن لسان صاحبها :
.. اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ..
بعدها يسجد كل ركن وكل مفصل في جسدي خاضعا لله عز وجل للعزيز الغفار . ومن ثم تسبق الخطوات أختها وتقودني إلى حيثُ كتاب الله فكلماته تهزُ فؤادي الراكد .. وتُقلب المشاعر النائمة وتبعثرها وتوقظها , فتتصاعد أنفاسي لتستنشق هواء رطبا بذكر الله تعالى . وتهبط دموعي الباردة لتدفئ في نور آيات الله وتفر من غطائها الخفيف ألا وهي الجفون الضعيفة . وتبعد عن مظلتها البالية التي لم تعد تحميها الحرارة والصقيع ألا وهو الحاجب الأشعث .
إليك تحيتي وعليك سلامي يا شهر الفضيلة والخير .
عذرا عزيزي إذا قصرت في حقك فلتكن أفضل مني وسامحني .
فلو كتبت كل مادب في نفسي من مشاعر تجاهك لطلبت الأقلام الرحمة والشفقة .
ولكن منك كل العذر .