الرؤية المستقبلية لتطور الوسائل والأجهزة
يمكن القول: إن القرن الحالي سوف يشهد عصراً جديداً يقوم فيه الإنسان بدعم حضوره الفعال خارج المجال الحيوي للكرة الأرضية. وتحقيق ذلك يعتمد، في الأساس، على توافر تعاون دولي يؤمن بالعمل المشترك لضمان تطور الإنسان وحل مشكلاته على الأرض، فلم يعد من الممكن تخيل الحضارة الإنسانية الحديثة بدون الفضاء.
فمراكز التحكم في العمليات الحيوية الأساسية للجنس البشري وحضارته من حركة الاتصال والحرب والسلام آخذة في الانتقال بمعدل متسارع من الأرض إلى الفضاء، فالأرض يدور حولها بانتظام حاليا ما يقرب من 500 قمر صناعي لأغراض الملاحة، والاتصالات، والطقس، والتصوير، ومراقبة أحوال البيئة ومواردها الطبيعية. وتمتلك الولايات المتحدة من بين تلك الأقمار 200 قمر، بينهم 100 قمر لخدمة الأغراض العسكرية.
أولاً: تزايد دور علم الاستشعار عن بعد
أصبح علم الاستشعار عن بعد يؤدي دوراً متزايداً في تقديم معلومات دقيقة عن أماكن متعددة فوق سطح الأرض، حيث تقدم هذا العلم تقدماً هائلاً في السنوات الأخيرة، ولم يصبح مقتصراً على الوسائل البدائية للتصوير الجوي، بل أصبح يتضمن استخدام أجهزة وطرق تمثل غاية ما توصل إليه العلم الحديث من تقدم.
وتتضمن هذه الأجهزة استخدام خاصية الأهداف المختلفة لانعكاس الإشعاعات غير المرئية، مثل الأشعة تحت الحمراء[1]، أو استخدام موجات الرادار[2]، وموجات اللاسلكي، مع إرسالها إلى المحطات الأرضية، واستقبالها، وتسجيلها بعد انعكاسها.
وكذلك تعتمد الأجهزة الحديثة على استخدام خاصية الإشعاع الذاتي للأجسام المختلفة للأشعة تحت الحمراء، فتقوم أجهزة خاصة باستقبال هذه الأشعة، وتسجيلها، وعرضها بطرق مختلفة، ولهذه الوسيلة الأخيرة قدرة على الاستكشاف ليلاً، ومن ارتفاعات شاهقة، وبدون استعمال أية إضاءة على الإطلاق، بل إن لبعض هذه الوسائل الحديثة قدرات على اكتشاف بعض الأهداف والمنشآت المختبئة، أو المدفونة تحت سطح الأرض، وعلى أعماق كبيرة، وفي ظلام الليل.
وبإدخال هذه التقنيات الهائلة، أصبح التصوير العادي مجرد جزء بسيط من عملية معقدة، تعتمد على استغلال كل الخصائص الحرارية، وخصائص الانعكاس، وامتصاص الأجسام للموجات الكهرومغناطيسية في المجال المرئي[3]، أو غير المرئي.
وأصبح لهذه الأساليب قدرات تفوق الأساليب العادية للتصوير الجوي، حيث تقوم الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع، التي تحلق على ارتفاعات شاهقة بمراقبة كل بقعة على سطح الأرض، وبصفة مستمرة، ليلا ونهارا، وذلك بما تحمله من أجهزة تصوير، وترسل ببعض هذه الصور فوراً إلى مراكز استقبال أرضية لدراستها واستخلاص المعلومات منها، وذلك طبقا لمتطلبات البحث وهدف الدراسة.
ثانياً: الرؤية المستقبلية لاستخدام المناطيد في الاستشعار عن بعد
لما كانت تحليقات المناطيد العلمية النموذجية تستمر يوماً أو يومين فقط، فإن الأمر يتطلب، في الأغلب، عدداً كبيراً من التحليقات لإنهاء التجارب. وثمة طريقة وحيدة "للالتفاف" على هذا الوضع تتمثل في إطلاق المناطيد قرب المناطق القطبية، للاستفادة من ضوء النهار أو ظلام الليل الدائمين عملياً.
وبالفعل فقد أطلقت وكالة "ناسا" عدداً محدوداً من المناطيد من ولاية ألاسكا، ومن أنتاركتيكا، حيث يتيح ضوء النهار المستمر خلال فصل الصيف بقاء المناطيد محلقة مدة تراوح ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع. وعندما تستكمل التجربة، ترسل إشارة بالراديو لفصل المنطاد عن حمله الصافي، الذي يجري إنزاله إلى الأرض بواسطة المظلات لكي يستعاد ويستخدم مرة أخرى، في أغلب الأحيان، كما يسقط المنطاد على الأرض ويستغنى عنه.
1. مناطيد للتحليق على ارتفاعات عالية
يركز الباحثون جل اهتمامهم على المناطق الأعلى من الغلاف الجوي للأرض، فيعملون على تصميم مناطيد بإمكانها أن تبقى في تلك المناطق مدة تصل إلى 155 يوماً. ويخطط لإطلاق منطاد ضخم من أستراليا أو نيوزيلندا، يجري بناؤه في مركز الطيران الفضائي التابع لوكالة "ناسا"، لكي يحلق حتى الامتدادات الخارجية للغلاف الجوي للأرض، أي على ارتفاع أعلى أربع مرات من الارتفاع الذي تستطيع طائرات الركاب النفاثة الوصول إليه.
ونظرا لأن المنطاد سيكون موصولاً بشبكة الإنترنت بواسطة قمر صناعي عبر محطة أرضية، فسيتمكن العلماء من الحصول على المعلومات التي تسجلها الأجهزة المركبة عليه، بما في ذلك معلومات عن كميات العناصر في الأشعة الكونية للمجرات.
وكذلك، فإن المشروع المتعلق ببناء منطاد قادر على التحليق في الفضاء مدداً طويلة جداً، سيحمل أيضا آمال العديد من العلماء الذين يرون في تقنية المناطيد وسيلة اقتصادية لدراسة الغلاف الجوي العلوي للأرض والفضاء الخارجي. فالمناطيد يمكن إطلاقها بكلفة تعادل جزءاً يسيراً من كلفة إطلاق الصواريخ، فضلاً عن إمكانية استعادة الأجهزة المركبة عليها واستخدامها مجدداً.
2. انجازات المناطيد العلمية
حققت المناطيد العلمية ارتفاعات وصلت إلى 52 كم وهي تحمل حمولات وصلت إلى 3600 كجم. ولأن بإمكان المناطيد ذات التحليق المديد في الفضاء أن ترتفع إلى تخوم الحدود العليا لطبقة الـ"ستراتوسفير" Stratospher، حيث ينعدم التشويش الجوي تقريباً، فإنه سيكون بالإمكان، في يوم ما، تحميلها تلسكوباً مداراً بقدرة آلية عالية ينافس التلسكوب الفضائي "هابل"، الذي أطلق في أبريل 1990، في قدرته على رؤية الكون، (اُنظر صورة التليسكوب الفضائي هابل). وهذا التلسكوب سيكون من الضخامة بحيث لا يمكن تحميله على صاروخ.
3. مناطيد للرحلات الطويلة
من أجل الرحلات التي تستمر مدة طويلة، وتلك التي يزمع القيام بها بين الكواكب، يحتاج الباحثون إلى مناطيد مختلفة تماما ولها قدرات محسنة إلى حد بعيد. وفي عام 1997م دشن مكتب علوم الفضاء لدى "ناسا" مشروع المنطاد المديد التحليق، (اُنظر صورة منطاد بمستشعرات للأشعة الكونية).
ويهدف هذا المشروع إلى صنع منطاد قادر على الطيران مدة تصل إلى 100 يوم. والمنطاد مديد التحليق هو من نوع مناطيد الضغط الفائق أو "المغلق"، التي لا تطلق أثناء التنفيس بعضا من غازها إلى الجو، كالمناطيد التقليدية.
ولما كان التحليق الطويل الأمد يحتاج إلى مناطيد مهيأة للطيران في أصعب الظروف البيئية، كالطيران فوق المحيطات أو الصحارى أو جليد القطبين، فإن المواد المستخدمة في صنعها ينبغي أن تكون قوية ومتكيفة مع هذه الظروف. فهذه المواد يجب أن تكون مقاومة للتمزق والتفسخ الذي تسببه الأشعة فوق البنفسجية، فضلاً عن إمكانية إنتاجها بكلفة منخفضة.
وقد اقترح العلماء متابعة الجهود عن طريق البحث بتلسكوبات بصرية وأخرى تعمل بالأشعة تحت الحمراء عن كواكب من خارج المنظومة الشمسية أو تصوير الشمس والنجوم الأخرى. كما اقترحوا الاستعانة بمناظير خاصة لإلقاء نظرة على الكون، وكذلك القيام بتجارب كيميائية ستراتوسفيرية جديدة.
4. وسيلة نقل المناطيد
وثمة تحدٍّ آخر يتمثل في الوسيلة التي ستمكن من توصيل المناطيد إلى الكواكب البعيدة. ففي كوكبنا تنطلق المناطيد من الأرض، أما في الفضاء، فالعملية معكوسة، إذ إن السفن الفضائية هي التي تحمل المناطيد معبأة في محافظ مصممة لمقاومة الجهد الناجم عن دخول جو الكوكب المقصود، ومن ثم تفتح المناطيد وتنفخ أثناء هبوطها إلى سطح الكوكب. وتبعا لذلك تقوم وكالة"ناسا" حاليا بتطوير منظومتين خفيفتي الوزن لنقل المناطيد ونفخها من أجل المهام الفضائية.
ثالثاً: استخدام الماسحات متعددة الأطياف
يوفّر الاستشعار عن بعد بواسطة الرادار المحمول جوا، أو على متن المركبات الفضائية، ومن خلال أجهزة "المسح متعددة الأطياف " Multispectral Scanning: MSS، وسيلة جديدة لجمع كميات هائلة من المعلومات، بشكل سريع ومتكرر، لأجل بناء ومراجعة الخرائط.
وهو يكمل التصوير الجوي، وإلى حد ما يعوض العمل الشاق، الذي يقوم به المساحون على قدميهم. وهذا الأخير قد يحقق قدرا كبيرا من الدقة في الطبوغرافيا، ولكنه لا يوفر التغطية الشاملة، في وقت قصير، كما هو الحال في الاستشعار عن بعد.
رابعاً: تزايد دور أجهزة الحواسب
إن الشهية الهائلة لأجهزة الحاسب لالتهام البيانات وهضمها تجعل من الممكن تحويل صور الاستشعار عن بعد إلى خرائط، وتستبدل بالخرائط الورقية التقليدية الرقمية المختزنة في ذاكرة الحاسب. والميزة الكبرى لهذا النظام تكمن في أنه يستطع اختزان المعلومات في صورة رقمية، يمكن تحويلها بسرعة لتتناول ملامح جغرافية جديدة في الحسبان، ويمكن استعمالها فوراً لإنتاج خرائط مراجعة بصورة كاملة، أو لإنتاج خارطة تعرض ملامح معينة في منطقة ما.
وقد جعلت هذه التقنيات من الممكن، ولأول مرة، رسم خارطة للعالم بأجمعه من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي، وتعريض كل جزء من كل بلد للمراقبة المتواصلة، مما يتيح رؤية جديدة للعالم وموارده الطبيعية، بكل ما يترتب على ذلك بيئياً واقتصادياً وسياسياً. الأمر الذي بدأ الآن فقط ليكون موضع تقدير.
إن ما يحدث في المجسمات متعددة الأطياف، وفي الرادار، قد يكون تطورا كبيرا، ولكن الطريقة التي يتناول بها الحاسب هذه المعلومات لا تغير طريقة جمع معلومات الخرائط فحسب، ولكن أيضاً كيفية إنتاج الخرائط بالأسلوب الآلي.
استخدام الأرقام
المفتاح هنا هو استخدام "الأرقام "، فمعظم معلومات الخرائط الواردة من القمر الصناعي تأتي، في صورة إحدى لغات الحاسب الرقمية، كسيل من الأرقام، ولكن يلزم تحويل الخرائط الحالية إلى أرقام، وهي عملية تقارب عملية "فك" الخريطة. وإلى عهد قريب، كانت هذه العملية تتم بطريقة شبه يدوية، فلتحويل خريطة إلى الصورة الرقمية، يحرّك العامل مجساً إلكترونياً يدوياً فوق سطح الخريطة، لوضع شفرة للخطوط والحدود والتضاريس الأخرى.
وفي الطريق إلى الاستخدام الآن أنظمة رقمية أكثر آلية، حيث توضع الخريطة الورقية، أو الصورة المعينة، فوق أسطوانة دوارة، ويتم مسحها بأجهزة حساسة للضوء، تقوم بتحويل المحتوى الكلى إلى صورة رقمية، وتخزينها في الحاسب، وبذلك تتم تجزئة خريطة طوبوغرافية نمطية إلى نقاط معلومات تصل إلى 1.1 مليون نقطة. ويستعيد الفنيون بعد ذلك هذه النقاط على شاشات الفيديو لإجراء التحرير والمراجعة. ويمكن توليد الخرائط من المعلومات الرقمية بأي مقياس تشاء.
خامساً: الرؤية المستقبلية لتطور أجهزة الاستشعار عن بعد الفضائية
عملت القوى الجيولوجية الطبيعية، مثل ثورات البراكين والتغيرات في تيارات المحيطات ودورات العصور الجليدية، على إعادة ترتيب سطح كوكب الأرض ومناخه منذ تكوينه قبل 4.5 بليون سنة.
واليوم، هناك أدلة علمية تبين أن الأنشطة البشرية تسرع من معدل التغير الشامل، حتى إن حجم تلك الأنشطة يصل إلى مرتبة القوى الجيولوجية. ولذلك، أصبح العلماء اليوم بحاجة إلى القيام بقياسات كثيرة على نطاق العالم برمته، ولفترة زمنية طويلة، كي يزودوا المحاكيات Simulators بالبيانات الصحيحة لتمكنهم من التنبؤ بتغيرات المناخ.
1. استخدام مستشعرات محمولة فضائياً
كانت اللجنة العلمية لـ"منظومة مراقبة الأرض"[4] Earth Observation System: EOS، التابعة لوكالة "ناسا" NASA قد أصدرت عام 1988م تقريراً يدعو إلى وضع استراتيجية، بعيدة المدى، لقياس الإشارات الحيوية للأرض. وأكدت تلك اللجنة أن الطريق المجدي الوحيد لرصد تلك الإشارات، على نحو متسق، لمدة طويلة، هو استخدام مستشعرات Sensors محمولة على قمر صناعي، تستطيع رؤية الأرض من الفضاء.
وفي سبيل ذلك، قام الخبراء في منظومة رصد الأرض بالتعرف على 24 عاملاً، تؤدي معاً دوراً رئيساً في تحديد المناخ. وتتضمن هذه العوامل: تدفق ضوء الشمس، وأنواع الطاقة الإشعاعية الأخرى، وتركيزات غازات الاحتباس الحراري، والغطاء الثلجي والجليدي، والغيوم، والهباء الجوي[5]، والتغيرات في الكساء الخضري وفي غيره من معالم سطح الأرض.
وهذه المنظومة تجعل العلماء يقتربون جداً من التوصل إلى كشف أسرار مناخ الأرض بصورة أفضل، تتيح التنبؤ بالتغيرات المستقبلية فيه، وهي مهمة تستلزم مقدرة لا سابق لها على تمييز الدورات الطبيعية من التغيرات التي يحدثها البشر أنفسهم.
2. القمر "ترا"
في إطار المنظومة EOS (اُنظر جدول سلسلة أقمار برنامج ملاحظة أو دراسة الأرض EOS)، وعلى ارتفاع 705 كم من سطح الأرض، يحلق القمر "ترا"، الذي أطلق في مداره حول الأرض في 18 ديسمبر 1999، ويتم التحكم في مستشعراته من أحد مراكز القيادة للملاحة الفضائية التابع لوكالة "ناسا"، ليقوم بفحص شامل لحالة كوكب الأرض. فكل شيء من الغيوم والنباتات، حتى أشعة الشمس، ودرجة الحرارة، والنار، والجليد، تؤثر في المناخ.
وقد بدأ القمر "ترا" جمع هذه المعلومات يوميا من الأرض كلها. وفيما يدور هذا القمر، الذي يبلغ حجمه حجم حافلة، حول العالم من القطب إلى القطب، تقوم أجهزته الحساسة بتعقب الإشارات الحيوية للأرض تباعا من المناطق المختلفة، التي تدخل في مجال "رؤيته"، حيث صممت مهمة القمر "ترا" لقياس 16 خاصية من أصل 24، (اُنظر صورة الخصائص المناخية لكوكب الأرض).
3. أقمار إضافية في المنظومة
ثمة ثلاثة أقمار صناعية أخرى تدور حول الأرض تابعة للمنظومة EOS إلى جانب القمر "ترا"، وتقوم بقياس إشارات مناخية حيوية أخرى، مثل التغيرات في الطاقة الشمسية المنبعثة، والرياح العاصفة فوق المحيطات. فإذا ما بقيت هذه الأجهزة تعمل طوال الوقت المقدر لبقائها، وإذا ما استمر الكونجرس الأمريكي في دعم برنامج المنظومة، فسوف يطلق 15 قمرا صناعيا آخر، أو أكثر.
وسوف تقوم هذه الأقمار بتجميع زمرة شاملة من البيانات عن الأرض، تغطي فترة تقدر بنحو 15 عاماً، حتى يمكن إجراء تنبؤات مناخية دقيقة. وتستغرق عملية تشخيص المناخ بوساطة الحاسب مئات الساعات، وقد يحتاج العلماء إلى العديد من السنين من أجل إجراء أول تقويم إحصائي متقن.
4. المكونات الأخرى في المنظومة
تعتمد مهمات المنظومة EOS على مكونين جوهريين آخرين إلى جانب الأقمار الصناعية، هما نظام تخزين للبيانات، والأشخاص الذين يقومون بتفسيرها. والمشروع يوفر حالياً الدعم لنحو 850 عالماً، يعملون لدى الوكالات الحكومية والهيئات الأكاديمية في شتى أنحاء العالم.
وما تبثه الأقمار إلى الأرض تيار هائل من الأرقام، تستوجب معالجتها، لتصبح ذات مغزى. وتتولى استقبال هذه الأرقام ومعالجتها شبكة حاسبات متطورة، وتتولى بعدئذ أربعة مراكز، موزعة عبر الولايات المتحدة، تصنيف القياسات وتوزيعها مجانا لمن يريد.
وتمثل هذه المشاركة المجانية في المعلومات نقيضا حادا لما حدث في كثير من مهمات الأقمار السابقة التي لم تكن فيها المعلومات متاحة إلا لهيئات البحث ذات التمويل السخي. فثمن صورة واحدة من أقمار "لاندسات" Landsat التي بدأ إطلاقها عام 1972م، يمكن أن تصل إلى مئات، بل آلاف الدولارات. أما في المنظومة EOS، فسوف تبث بعض بيانات القمر الصناعي في المجال الترددي X-band مباشرة إلى أي شخص يمتلك محطة استقبال ملائمة، وقادرة على معالجة مثل هذا التدفق الهائل من المعلومات وتخزينه.
5. التكامل بين المستشعرات
إن التكامل بين الأرصاد التي تجريها المستشعرات المحمولة على القمر الصناعي "ترا" وعلى الأقمار الأخرى للمنظومة EOS، سيمكن من فك الاشتباك بين آلاف الأسباب والنتائج التي تحدد معالم المناخ. فعلى سبيل المثال، إن تتبع رصد المدى وكيفية الارتباط لأنماط اقتلاع الغابات بهطول المطر وغطاء الغيوم، (اُنظر صورة غابات الأمازون)، سيساعد الباحثين على تقدير الطريقة التي تؤثر بها إزالة الأشجار في الدورات المائية الإقليمية.
وبمقارنة القياسات المتماثلة المعطاة من أكثر من مستشعر يمكن التيقن من أن الأجهزة جميعها "ترى" الإشارات نفسها، وأن وسائل المعايرة المحمولة على الأقمار تعمل على نحو سليم. وسيقارن الباحثون أيضاً قياسات الأقمار بقياسات أخرى يتم جمعها بوساطة عشرات أجهزة القياس الأخرى، المحمولة على الطائرات والسفن، وتلك الموجودة على اليابسة.
ومستشعرات القمر "ترا" لا تمسح سطح الأرض بالطريقة التي تعمل بها أجهزة الليزر والرادار، التي ترسل أشعة وتستقبلها، ولكن هذه المستشعرات تشابه في عملها آلة التصوير الرقمية، حيث تنبعث من سطح الأرض حزم من الطاقة، نتيجة ضوء الشمس المنعكس وأشعة تحت حمراء، تخترق الغلاف الجوي لتمر عبر فتحات المستشعرات، فتصطدم تلك الحزم من الطاقة بكواشف Detectors ذات تصميم خاص، يجعلها حساسة لأطوال موجات معينة من الطاقة الكهرومغناطيسية.
6. كشف الأطوال الموجية
على غرار الطريقة التي يتم بها توليف جهاز الراديو في السيارة مثلا على محطات إذاعية مختلفة، تمكن أجهزة قياس الطيف الراديوية Spectroradiometers المحمولة على القمر الباحثين من كشف الأطوال الموجية المختلفة في الطاقة المشعة.
فإذا كانت هذه الأطوال الموجية تقابل اللون الأحمر أو الأخضر أو الأزرق، استطاعت بسهولة تكوين صورة ملونة يمكن رؤيتها بالعين المجردة. أما إذا كانت الموجات غير مرئية، كالموجات تحت الحمراء، أو فوق البنفسجية، وجب على العلماء تمثيلها بلون مرئي لتكوين صورة ذات ألوان تستطيع العيون البشرية قراءتها.
7. استخدام مستشعرات متطورة
لتحقيق كل ذلك يستخدم القمر "ترا" الجيل الجديد من المستشعرات التالية:
أ. المستشعر "أستر"
المستشعر "أستر" Advanced Space born Thermal Emission and Reflection Radiometer: (ASTER) جهاز قياس الانبعاث والانعكاس الحراري المتطور المحمول فضائيا، والممول لهذا المستشعر هي وزارة التجارة والصناعة الدولية اليابانية، ودقة التمييز المكاني Resolution تتراوح بين 15 و 90 متراً.
وهو يقيس الإشارات الخاصة بالكساء الخضري والغطاء الثلجي، والجليد البحري، والكوارث الطبيعية، واستخدام الأرض، ودرجة حرارة المحيط، والكتل الجليدية، والغيوم، (اُنظر صورة التقطها المستشعر "أستر").
ويتميز المستشعر "أستر" بالمقدرة على التوجه نحو أهداف خاصة، ويستخدم ثلاثة نظم فرعية مستقلة لمقاريب مهمتها رصد الموجات الكهرومغنطيسية في مجالات الطيف المرئي وما دون الأحمر القريب، ودون الأحمر قصير الموجة، ودون الأحمر الحراري.
ويقيس "أستر" الطاقة والحرارة اللتين تصدرهما السطوح المختلفة لليابسة. وتعد هذه الإشارات الحيوية مفتاحا لتقدير الموازنة الإشعاعية لكوكب الأرض، وسوف تكون مفيدة على وجه الخصوص في تحديد أنواع الصخور والتربة والغطاء النباتي. ويستطيع المزارعون استخدام مثل هذه الصور المتعددة الأطياف والفائقة التميز في تقويم الطريقة التي تؤثر بها تغيرات الحرارة السطحية، والانحدارات الأرضية، ونوعية التربة في مدى عافية محاصيلهم.
ويستطيع المستشعر "أستر" أيضا متابعة التغيرات التي تحدث في المعالم السطحية الأخرى، مثل انحسار الكتل الثلجية والصفائح الجليدية، واتساع حدود الصحاري، وإزالة الغابات، والفيضانات، والحرائق الكبيرة، الأمر الذي سوف يساعد الباحثين على التمييز بين التغيرات الطبيعية وتلك التي يسببها الإنسان.
ولما كانت مقاريب المستشعر "أستر" قابلة للتوجيه نحو البراكين الثائرة، (اُنظر صورة صورة فضائية لبركان)، ونحو أهداف خاصة أخرى، فإنه يمكنها تكوين صور مجسمة، مفصلة، تعمل على إدخال تحسينات كبيرة على الخرائط الطبوغرافية الرقمية، وسوف توسع هذه الصور تلك المجموعة التي جمعتها أقمار "لاندسات" منذ عام 1972.
ب. المستشعر "سيريس"
المستشعر "سيريس" Clouds And The Earth Radiant Energy System :CERES نظام رصد الغيوم وطاقة الأرض الإشعاعية، وهو أول مستشعر لقمر صناعي يسجل فيض الإشعاعات عبر الغلاف الجوي، والممول لهذا المستشعر هو وكالة "ناسا".
ويرجع استخدام هذا المستشعر إلى أن التنبؤ بتغيرات الحرارة على نطاق الكرة الأرضية يتطلب فهماً دقيقاً لمقدار الإشعاع الذي يدخل جو الأرض أو يخرج منه على شكل حرارة وضوء. والباحثون لا يستطيعون حتى الآن معرفة سبب اختفاء نحو 8 في المائة من الطاقة الإشعاعية الشمسية التي ترد إلى جو الأرض.
وأحد التفسيرات التي يمكن طرحها حول الطاقة المفقودة هو أن الغيوم والهباء الجوي يمتصان الطاقة ويبعثرانها في جو الأرض الأسفل، وهو المنطقة التي لم يسبق للأقمار الصناعية التي تتابع تدفق الطاقة أن اهتمت بمراقبتها، (اُنظر صورة الإشعاع المنبعث من المحيط الهادي).
ومن أجل أن يتم التحديد الكمي للدور الذي تؤديه الغيوم في منظومة EOS ، سوف يقوم المستشعر "سيريس"، بمساعدة معلومات ترد من مستشعر آخر، بقياس تدفق الإشعاع، بدقة تساوي ضعف دقة المستشعرات السابقة، في كل من طبقات الغلاف الجوي العليا وعلى سطح الأرض.
وأدوات القياس في المستشعر "سيرس" توسع الفيض الذي بدأت بجمعه مستشعرات القمر الصناعي الخاص بتجربة موازنة إشعاع الأرض Earth Radiation Budget Experiment: ERPE والتابع لوكالة "ناسا"، الذي أطلق في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي.
ج. المستشعر "موبيت"
يستخدم المستشعر "موبيت" Measurements Of Pollution In The Troposphere (MOPIT) لقياسات التلوث في الغلاف الجوي السفلي، وهو ما يسمى بطبقة التروبوسفير، وهو يعتبر أول مستشعر لقمر صناعي يقتفي أثر الملوثات حتى مصادرها، ويستخدم مقياس إشعاع ماسح يعمل بتقنية التحليل الطيفي لترابط الغازات، وهو ممول من وكالة الفضاء الكندية، (اُنظر صورة المستشعر موبيت).
والغازان اللذان لا يستطيعان الإفلات من المستشعر "موبيت"، هما الميثان وأول أكسيد الكربون، فهو يقيس توزيعهما وتركيزهما الشاملين في جو الأرض الأسفل. والميثان هو أحد غازات الاحتباس الحراري، ويتصف بمقدرة على أسر الحرارة تساوي نحو 30 ضعفاً من مقدرة ثاني أكسيد الكربون،
وهو يصدر عن المستنقعات وقطعان الماشية والرواسب الجليدية في قاع البحر، ولكن ناتج هذه المصادر، كل على حدة، غير معروف. وعلى نحو ما، يتجمع الميثان في جو الأرض الأسفل بمعدل 1% سنوياً. أما أول أكسيد الكربون، الذي تنفثه المصانع والسيارات وحرائق الغابات، فيعوق مقدرة الجو الطبيعية على تخليص نفسه من الكيميائيات الضارة الأخرى.
والمستشعر "موبيت"، بصفته أول مستشعر محمول على قمر صناعي يستخدم التحليل الطيفي لترابط الغازات، يستطيع تمييز هذين الغازين من الغازات الأخرى، مثل ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء.
فلدى دخول الحرارة المنبعثة أو ضوء الشمس المنعكس عن سطح الأرض هذا المستشعر، فإنهما ينسابان عبر خزانات تحوي أول أكسيد الكربون والميثان، مولدين إشارة لها ارتباط بمدى وجود هذين الغازين في الغلاف الجوي.
د. المستشعر "ميسر"
المستشعر "ميسر" Multiangle Imaging Spectroradiometer (MISR) هو مقياس الإشعاع الطيفي للتصوير المتعدد الزوايا، ويقيس إشارات الغطاء الخضري، والإشعاع، والكوارث الطبيعية، واستخدام الأرض، والغيوم، والهباء الجوي. وهو يلتقط صوراً مجسمة للغيوم وأعمدة الدخان بواسطة تسع كاميرات، (اُنظر صورة المستشعر ميسر).
ولم يسبق أن حلق في الفضاء قط جهاز مثيل للمستشعر "ميسر"، فعن طريق "النظر" إلى الأرض ـ المضاءة بأشعة الشمس ـ من خلال تسع زوايا متباعدة في الوقت نفسه، يستطيع المستشعر جمع صور شاملة لضوء الشمس المنعكس بأربعة ألوان: الأزرق، والأخضر، والأحمر، ودون الأحمر القريب. والطريقة التي تتغير بها الانعكاسات من زاوية إلى أخرى سوف تسمح بتمييز الأنواع المختلفة من الغيوم، والهباء الجوي، وسطوح اليابسة.
ويستطيع الباحثون ضم صور المستشعر "ميسر" معاً واستخدام تقنيات التجسيم لتوليد نماذج ثلاثية الأبعاد، تساعدهم على تعقب الهباء الجوي وأعمدة الدخان حتى مصادرها. ولما كان المستشعر "ميسر" يجوب الأرض عند خط الاستواء مرة كل تسعة أيام، فإن قياساته التي يجريها من زوايا متعددة، سوف تمكن الباحثين من تفسير أفضل للدور الذي تؤديه كل من الغيوم والهباء الجوي بالنسبة إلى موازنة طاقة كوكب الأرض.
هـ. المستشعر "موديس"
المستشعر "موديس" (MODIS) Medium Observation Distance Imaging Spectrometer هو مقياس الإشعاع الطيفي للتصوير على المسافات المتوسطة. والإشارات التي يقيسها هي إنتاجية المحيط، والكوارث الطبيعية، واستخدام الأرض، ودرجة حرارة اليابسة، والحرائق، والغيوم، ودرجة حرارة الهواء، والهباء الجوي، وبخار الماء، والكساء الخضري، والغطاء الثلجي، والجليد البحري، والإشعاع، ودرجة حرارة المحيط، (اُنظر صورة قياس الإشعاع الطيفي).
والخاصية التي يتفرد بها المستشعر أنه الوحيد المحمول على القمر صناعي الذي يرى سطح كوكب الأرض برمته كل يوم أو يومين. وهو يستخدم أربع مجموعات من الكواشف الحساسة للضوء المرئي وللإشعاع الطيفي دون الأحمر القريب، ودون الأحمر قصير الموجة، ودون الأحمر متوسط الموجة، ودون الأحمر الحراري، (اُنظر صورة مقياس الإشعاع الطيفي موديس).
وبالنظر إلى الأرض برمتها من خلال 36 مجالاً طيفياً منفصلاً، يتعقب المقياس "موديس" صفيفاً من إشارات الأرض الحيوية، أوسع مما يراه أي من المستشعرات الأخرى للقمر "ترا".
(1) كشف الغيوم بواسطة المستشعر "موديس"
يقيس هذا المستشعر النسبة المئوية من سطح الأرض المغطاة بالغيوم، كل يوم تقريبا، وذلك من خلال نافذة رؤية تمسح شريطا من سطح الأرض، يبلغ عرضه 2330 كم. وسوف تمكن هذه التغطية الواسعة المستشعر "موديس"، ومعه المستشعران "ميسر" و"سيرس"، من تحديد أثر الغيوم في موازنة طاقة الأرض، وهذا أمر مهم لأن الغيوم لا تزال تمثل العامل الأكبر في عدم التيقن من نماذج المناخ العالمي، (اُنظر صورة للغطاء الثلجي شرق الولايات المتحدة).
ويحتوي المستشعر على قناة حديثة من أجل كشف الغيوم الرقيقة العالية، التي يعتقد أنها تسهم في الاحترار العالمي[6]، بحبسها الحرارة المنبعثة من سطح الأرض. وسوف يرصد المستشعر أيضا كيفية امتزاج سحب الدخان وأشكال الهباء الجوي في الغيوم، وتغير مقدرتها على امتصاص الطاقة وعكسها.
وفيما يقوم المستشعر "موديس" برصد الغطاء الغيمي الشامل، فإنه يساعد الباحثين أيضا على تعقب التغيرات حتى سطح الأرض. وهذا المستشعر يقوم بوضع خرائط انتشار الثلج والجليد اللذين تنتجهما عواصف الشتاء ودرجات الحرارة المتدنية.
(2) رصد المساحات الخضراء والكوارث الطبيعية
يرصد هذا المستشعر المساحات الخضراء وهي تزحف عبر القارات مع انحسار الشتاء وقدوم الربيع حيث تزدهر النباتات خلاله. وسوف يسجل أين ومتى تندلع الكوارث، كالفورات البركانية والفيضانات والعواصف العنيفة، وحالات الجفاف والحرائق، وسوف يساعد على إرشاد الناس إلى كيفية تفادي أذاها.
والمجالات الطيفية للمستشعر "موديس" حساسة للنار، على وجه الخصوص، فهي تستطيع تمييز النيران الملتهبة من الخامدة، وتوفر تقديرات أفضل لمقادير الهباء الجوي والغازات التي تطلقها في الجو. وهذا المستشعر يتلاءم تماما مع رصد التغيرات الواسعة النطاق في الغلاف الجوي، الأمر الذي سوف يتيح للعلماء فهما أفضل لآليات دورة الكربون العالمية.
(3) قياس تركيزات ثاني أكسيد الكربون
على الرغم من عدم مقدرة أي من المستشعرات الحالية على قياس تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مباشرة، يستطيع المستشعر "موديس" قياس معدل حدوث عملية البناء الضوئي في النباتات، ومن ثم تقدير كمية ثاني أكسيد الكربون التي تمتصها. وعلاوة على ذلك، سوف يلقي المستشعر نظرة متفحصة على بيئة الحياة البحرية من خلال قياس التوهج الكلوروفيلي في المحيطات، (اُنظر صورة درجة الكلوروفيل)