التسونامي
التسونامي هي موجة ضخمة محيطية تحتوي على سلسلة من الأمواج وقدراً هائلاً من المياه تسببها الزلازل أو البراكين إلى جانب عوامل أخرى، وتنشأ الموجة المدية عندما يحدث انزلاق عمودي في قاع البحر من شأنه ضعضعة السطح الأفقي لقاع البحر فتنشأ على سطح البحر الموجة المديّة، وشأنها شأن أي موجه ستتجه إلى الشواطئ، واعتمادا على حجم الانزلاق الأرضي في قاع البحر تتحدد كمية وحجم الموجة المدية ومقدار الخراب الذي تخلفه.
التسمية
أصل الكلمة ياباني (津波) وتعني الموجة التي تصدر من الخليج البحري أي (موجة الخليج) أو تصدر من الميناء أي "موجة الميناء" (ميناء=تسو=津) (موجة=نامي=波)، وتعني في اللغة العربية موجات الميناء أو الموجات الزلزالية العنيفة المدمرة، والتي تأتي نتيجة حركة تصدعية نتيجة زلزال أو نشاط بركاني، وأطلق هذه التسمية الصيادون اليابانيون عندما لاحظوا خراب موانئهم عند عودتهم من رحلات الصيد، فلم يكن يشعر هؤلاء البحارة بمرور موجة عاتية عليهم خلال صيدهم، فموجات المد تمشى باتجاه الشاطئ تحت الماء وأثرها على سطح الماء قد لا يُذكر، وقد يصل طول الموجة المدية إلى 100 م.
ويأتي مصطلح تسونامي لوصف الأمواج الناتجة عن الزلازل التي يكون مركزها قاع البحر، وهذا التعريف قد لا يكون شاملا، إذ أن كلمة تسونامي كما عرفنا آنفا قد تكون حركة عادية ناتجة عن حركة المد المعروفة التي يكون سببها جاذبية القمر على محيطات كوكب الأرض، كما قد لا يكون التعريف دقيقا كذلك إذا اقتصر على وصف الأمواج العملاقة التي قد تفوق العشر أمتار، لأن حركة المد و الأمواج الناتجة عنه أحيانا لا تفوق خمسين سنتمتر، إلا أن المسبب واضح وثابت علميا منذ القدم. والتسونامي بتعريفه الإعلامي ليس بجديد فقد سجلت اليابان منذ سنة 700 م إلى سنة 2004 ما يزيد عن 150 حالة من هذا النوع، وباستعراض حوادث التسونامي المسجلة عالميا نجد أنها تتخطى ألف حادثة، وربما كان أقدمها ذلك الذي ضرب الطرف الشمالي من "بحر إيجه" عام 479 قبل الميلاد.
ولم تخل المنطقة العربية من ظاهرة التسونامي أيضاً، وقد رصد الخبراء (16) موجة تسونامية حدثت في المنطقة منذ عام 505 م، منها (6) موجات في البحر المتوسط، أشهرها الموجات العاتية التي ضربت منار الإسكندرية في عام 1303، كما صاحب زلزال خليج العقبة عام 1995م بعض هذه الموجات لكنها كانت ضعيفة لأن منطقة الخليج منطقة مغلقة وعمق المياه بها ضحل نسبياً.
وهناك من يرى أن المنطقة العربية منطقة تصادم بين الصفائح أكثر منها منطقة ابتعاد، ومن ثم يرون أن منطقة الخليج العربي أكثر عرضة من منطقة البحر الأحمر وخليج العقبة، لأن الفوارق الموجودة في الخليج العربي ناتجة عن اصطدام الصفيحة العربية بالصفيحة اليوراسية، حيث تنفجر الصفيحة العربية تحتها وهو ما يجعلها منطقة تصادم.
وهناك من يرى أن التجارب النووية تشكل عاملا هاما في التسبب بالزلازل، حيث ينتج عنها تحرك في القشرة الأرضية.
الأسبابتنشأ الموجة المدية نتيجة حدوث الزلازل أو البراكين أو حتى بارتطام الأجرام السماوية كبيرة الحجم بالبحر أو بسبب انهيارات أرضية ضخمة، وغالبا ما تكون هذه الكارثة بيئية فقط، وتنشأ الموجات المدية عندما يتغير انسجام قاع البحر نتيجة التغيرات الطبيعية كالزلازل وخلافه، وحدوث إما تقعر أو تحدب في قعر البحر ينجم خلاله اضطراب في كمية الماء فوق المنطقة المنكوبة.
ويمكن إجمال أسباب وقوع هذه الظاهرة الطبيعية الكارثية في ما يلي:
1. الزلازل القوية التي تقع في قاع المحيط، وهي التي غالبا ما تحدث الأمواج العاتية. وهذا الزلزال عبارة عن تزحزح وانزياح لتضاريس جزء من قاع المحيط تكون درجته عنيفة و مدمرة حتى أنها تقاس في بعض الأحيان بانفجار نووي كبير. وهذه التزحزحات والرجّات الأرضية غالبا تكون عمودية، أما إذا كانت أفقية فلا تسبب حدوث هذه الأمواج، ومثال ذلك الزلزال الذي ضرب منطقة كاليفورنيا في سنة 1906 حيث وقع انزياح أفقي لمنطقة سان اندرياس مسافة ستة أمتار أرضا وقاعا بطول مئات الكيلومترات، بمعنى أن موجات التسونامي تصدر عن الحركة الفجائية الرأسية من باطن الأرض، والتي تنشأ بدورها نتيجة تحرك صفيحتين إحداهما أقل كثافة تغطس إلى الأسفل، بينما تصعد الأكثر كثافة ومن ثم تحدث الحركة الزلزالية. وطبقاً لنظرية الصفائح أو الألواح التكتونية التي ظهرت عام 1968م، أمكن تفسير حدوث التسونامي الأخير ديسمبر 2004م بأن غطست الصفيحة الهندية تحت الصفيحة البورمية من الشرق ومن الجنوب، ونتيجة لذلك الاحتكاك والتغيير في أوضاع الصفيحتين تولدت طاقة كامنة داخل باطن الأرض انفجرت في شكل هذا الزلزال وآثاره التدميرية.
2. ثورة البراكين التي تقع في قاع المحيطات فتقذف بالحمم الهائلة والضخمة مسببةً بذلك ارتفاعا كبيرا للأمواج، ومثال على هذا ما وقع في جزيرتي سومطرة و جاوا وكذلك بركان كراكاتو سنة 1883 .
3. ارتطام النيازيك الفضائية بسطح المحيط مولدة بعد ذلك موجات دائرية كما هو معروف فيزيائيا، وهنا يكون الموج تناسبيا مع الحجم والسرعة ثم قوة الارتطام.
مواصفات التسونامي
تختلف الموجات المدية عن موجات البحار والمحيطات الناجمة من حركة الرياح، فتستطيع الأولى عبور آلاف الكيلومترات في قعر البحر مع فقدان طفيف لطاقة الموجة نتيجة ترحالها، ولهذا سنجد أن التأثير المرئي لموجات المد يُرى بعد ساعات من حدوثه في قعر البحر على الشواطئ المنكوبة بعد سريان كميات المياه الهائلة على اليابسة. أما سرعة أمواج التسونامي فتبلغ في بعض الأحيان 720 كيلومتر في الساعة وقد تصل إلى 1000 كيلومتر حسب عمق وطول المحيط ودرجة الزلزال، وقد تكون أمواجه لا تختلف عن أمواج المد العادي وقد يصل ارتفاع الموجة بين 30 و 40 مترا، فإذا وقع زلزال في مدينة لوس أنجلس الأمريكية، تصل أمواج تسونامي إلى العاصمة اليابانية طوكيو في زمن أقل مما تستغرقه الرحلة بين المدينتين بطائرة نفاثة.
وعندما تقع هذه الظاهرة فإن المناطق الساحلية تتعرض دون إنذار مسبق في بعض الأحيان، لموجات بالغة القوة. حيث يمكن لتلك الأمواج أن تحمل صخوراً من حوائط صد الأمواج، وزن الواحدة منها عشرون طنا، وأن تقذف بها لمسافة عشرين متراً، وعندما تصل موجة التسونامي للشاطئ فإنها تصب نحو 100 ألف طن من الماء موزعة على كل متر مربع من الشاطئ وبالتالي تفضي إلى خسائر أفدح من خسائر الزلزال نفسه.
والفارق بين أمواج تسونامي وأمواج البحر العادية هو أن طاقة الأولى تستمد من حركة الأرض وليس من الرياح. ويصل طول أمواج تسونامي (أي المسافة بين قمة الموجة وقاعها) إلى مئة متر، كما أن الزمن بين إحدى موجات تسونامي والموجة التالية لها قد يصل إلى ساعة كاملة،
ومن الجدير بالذكر أن طاقة الأمواج المدية تكون قليلة في وسط المحيط وتزداد قوتها كلما اقتربت من الشاطيء، والسبب في ذلك أن طاقتها في الوسط تكون موزعة على عمق المحيط الذي يبلغ عدة كيلومترات أما عند الشاطيء فالعمق يكون ضحلاً ثم يقل حتى يصل للصفر وبذلك تنتقل هذه الطاقة الكبيرة الكامنة في الأمواج على شكل مد هائل يضرب الشواطيء بلا رحمة.
الرصد والإنذارتحرص الكثير من الدول الواقعة على حوض المحيط الهادي كاليابان وجزر هاواي على رصد التغيرات في ضغط الماء في قاع المحيط وإرسال هذه التغيرات عن طريق الأقمار الصناعية لمراكز رصد الموجات المدية ليتسنّى للسلطات إخلاء الشواطئ من الناس، الأمر الذي لم يكن متوفراً في حادثة زلزال المحيط الهندي عام 2004، ففي 26 ديسمبر 2004، ضربت موجة مد عاتية شواطئ كل من إندونيسيا، الهند، سيريلانكا وخلّفت كماً هائلاً من الدمار وأكثر من ثلاثمائة ألف قتيل، وتعزى الخسائر الفادحة في الأرواح لعدم إنشاء الدول آنفة الذكر مراكز رصد وإنذار مبكر لمثل هذه الكوارث الطبيعية.
وأكبر منطقة معرضة لهذه الكارثة الطبيعية هي المنطقة المعروفة بحزام الزلازل والتي تقع في المحيط الهادي بدون أن نستثني المحيطين الأطلسي والهندي فالأول عرف هذه الظاهرة إثر الزلزال المعروف بزلزال لشبونة سنة 1755 والذي كان كارثيا فعلا وامتد حتى السويد. كما لم تسلم البحار كالمتوسط والأسود وقزوين من ظاهرة التسونامي، فأحداث زلزال مسينا سنة 1908 شاهد على ذلك.
وفي التسونامي الشهير الذي ضرب المحيط الهندي أواخر عام 2004 لاحظ بعض سكان جزر المحيط إشارات على قدومه قبل ساعات، إذ تراجع المحيط وانحسر على شكل جزر واضح وفي غير أوانه، فمن تمكن من الاتجاه نحو قلب المحيط نجا من آثاره التدميرية، أما من بقي على الشاطيء فقد لاقى مصيره المحتوم.
الآثار التدميريةخلال المائة سنة الأخيرة، استطاعت الدول بحكم التقنية المتقدمة أن تتفادى معظمها كوارث التسونامي، بحيث أن قلة منها فقط سببت أضراراً. فخلال القرن الماضي تعرّضت أندونيسيا إلى (38) موجة سببت (50%) منها الدمار نظراً لعدم وجود إنذار مبكر.
والآثار السلبية الناجمة عن التسونامي هائلة ومفجعة خصوصا في المناطق الفقيرة، ومن العواقب المترتبة على الكارثة ما يتمثل في تشريد ملايين الأشخاص الذين يواجهون مشاكل فقدان أرواح الأحبة والأقرباء وخسارة المأوى، بالإضافة إلى تصدع الهياكل الاجتماعية، وأن الملايين سوف يصبحون نهباً لمخاطر الأمراض والمجاعات، وما لم تبادر الدول والمنظمات الإنسانية إلى إرسال المساعدات وفرق العمل والمتطوعين لتأمين الخدمات الصحية وتفادي انتشار الأوبئة والأمراض، فإن الكارثة ستتفاقم.